عودة للصفحة الرئيسية

المحافل الماسونية والأزهر

لقد أفرزت فترة الاحتلال الفرنسي ثم الإنجليزي مناخاً ثقافياً عاماً ينخر كالسوس في البناء الثقافي الإسلامي، فمن ناحية أخرى تسللت الجمعيات الصهيونية السرية إلى المجتمع ككل وإلى الأزهر عبر المحافل الماسونية التي انتشرت في مصر منذ الحملة الفرنسية على مصر كما ورد على لسان شاهين مكاريوس - أحد زعماء الماسونية في مصر والعالم - حين قال : “إن الماسونية الرمزية أدخلت إلى مصر في أغسطس 1797م عندما نزل نابليون على أرضها غازياً”. والماسونية كما يقول شاهين مكاريوس عام 1895م : “ لم ينحصر أعضاؤها ضمن فئة واحدة من الناس بل قد جمعت تحت رايتها جماهير عديدة من الحكام والولاة وخدمة الدين والأشراف والأغنياء والعلماء والفلاسفة والقواد من كل أمة في العالم، فهي كعبة تحج إليها أرباب النهي…إن نخبة ملوك هذا الزمان وأكابره وحكامه وقواده وعلماءه وأصحاب الفضل فيه من الماسون” ومن أهم الشخصيات الإسلامية التي انخرطت في الماسونية الشيخ جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، والشيخ محمد أبو زهرة.

“فقد نشرت مجلة الإخاء الإيرانية في عددها رقم 450 الصادر في 18 أيلول 1976 نص وثيقة طلب الانتساب الذي قدمه جمال الدين الأفغاني للانضمام إلى المجمع الماسوني يوم الجمعة 22 ربيع الثاني سنة 1292هـ الموافقة 1872م، كما أورد محمد باشا المخزومي في كتابه (خاطرات جمال الدين الأفغاني الحسيني) ص41:ص50 “أن جمال الدين، قد انتظم في سلك الجمعية الماسونية وتبنى في المحفل الاسكتلندي … ثم علم جمال الدين أنه لا يمكنه العمل مع أولئك الإخوان.. فأنشأ محفلاً وطنياً تابعاً للشرق الفرنساوي، وفي برهة وجيزة بلغ عدد أعضائه العاملين أكثر من ثلاثمائة من نخبة المفكرين والناهضين من المصريين من مريدي جمال الدين من العلماء والوجهاء … ومن الناحية السياسية تبعه محمد عبده فدخل معه المحفل الماسوني البريطاني ثم غادره إلى المحفل الشرقي الفرنساوي، ثم ساهم مع أستاذه في تكوين الحزب الوطني الحر الذي كان واجهة للمحفل الماسوني”.

ويؤكد هذه المعلومات ما أورده محمد محمد حسين في كتابه من “أن جمال الدين الأفغاني هو مؤسس محفل كوكب الشرق ورئيسه، وأن محمد عبده كان عضواً في هذا المحفل، ويؤكد ذلك أن الشيخ محمد رشيد رضا ـ وهو أكثر تلاميذ محمد عبده تعصباً له ـ قد أيد هذه النصوص التي أوردها أحد رجال الماسونية في مصر وهو شاهين مكاريوس في مقدمة كتابه فضائل الماسونية”.

هانحن هؤلاء نخرج بحقيقة مهمة تؤكد تسلل الاتجاهات المعادية للإسلام كالماسونية إلى الأزهر وعلماء الدين، إذ إننا إزاء واقعة استدراج ماسوني لجمال الدين الأفغاني ثم محمد عبده الذي تولى القضاء والإفتاء والأزهر في مصر و لنر كيف كان موقفه من الأزهر، ولنترك رشيد رضا يتحدث : “ لقد كان محمد عبده ـ على شدة عنايته بالأزهر وأهله والدفاع عنهم ومبالغته في تكريمهم ـ شديد الاحتقار لهم في نفسه إلا أفراداً منه، وكان للأزهر عنده ثلاثة ألقاب يطلقها عليه المرة بعد المرة أمام بعض الخواص ـ وهـي “ الإسطبل” و “المارستان” و “المخروب” (بهذا اللفظ العامي)”.

وإذا كان هذا هو شعور محمد عبده تجاه الأزهر كما يبدو من شهادة تلميذه، فيلم يمكن مستغرباً منه أن يعلي من شأن المتطاولين على الأزهر، الأمر الذي سيترك أثراً عميقاً في حياتنا الثقافية إلى اليوم، “فقد عهد إلى الأستاذ سيد المرصفي تدريس كتب الأدب بالأزهر”. والمرصفي يقول عنه طه حسين ـ عميد الأدب العربي ووزير المعارف الأسبق ـ : “ لقد أحببت الشيخ سيد علي المرصفي وأحبني أشد الحب، وأصبحت من أقرب تلاميذه إليه، وكان أشد صفاته أنه كان يكره الأزهريين وتقاليدهم، ويزدري دراستهم ومذاهبهم، وكان يقضي أكثر وقته عابثاً بالشيوخ ساخراً منهم، ومنذ ذلك الوقت فُتنت بالأدب وأستاذه، وجعلت أسخر من شيوخنا وطرقهم في الدرس، وفي ذلك الدرس (لدي المرصفي) لقيت زميلين، هما الأستاذ “أحمد حسن الزيات“ والشيخ “محمود زناتي“ وكنا جميعاً من أشد الناس سخطاً على الأزهر وشيوخه وعبثاً بالدراسة والأساتذة … فكنا نذهب للأستاذ (المرصفي) في داره ونتلقى عليه بعض الدروس فيها، ونتلقى عليه بنوع خاص العبث بالشيوخ والاستهزاء بهم”.

هكذا يعترف طه حسين بتوجّهاته النفسية والثقافية تجاه الأزهر، ولا ننس كيف أثّر طه حسين - وهو يتبنى مثل هذه التوجهات - في حياتنا الثقافية عبر دوره الأدبي والوزاري وكيف نتوقع لتلاميذه ومريديه أن يفعلوا بالأزهر.

عودة للصفحة الرئيسية


فصل من كتاب: الاختراق الثقافي في السينما المصرية- تأليف الإذاعي/ مجدي صلاح أبوسالم